"الإيكونوميست": العمل من المنزل على وشك إثارة "أزمة مالية"
"الإيكونوميست": العمل من المنزل على وشك إثارة "أزمة مالية"
في وسط مدينة مانهاتن، توجد تذكيرات بالصعوبات التي تواجهها العقارات التجارية في كل مكان، وعلى الجانب الغربي، بالقرب من قاعة كارنيجي، يقع مبنى 1740 برودواي، وهو مبنى مكون من 26 طابقًا اشترته شركة بلاكستون الاستثمارية مقابل 605 ملايين دولار في عام 2014، لكنها تخلفت عن سداد رهنها العقاري في عام 2022.
تصبح المشكلة الأساسية واضحة: العمل من المنزل يعني عددًا أقل من المستأجرين، وهذا ليس تطورا جديدا، ظلت العديد من المباني فارغة لمدة أربع سنوات، منذ ظهور فيروس كورونا.
في البداية، كان أصحاب المنازل يأملون في انتظار انتهاء الوباء، لكن العمال كانوا بطيئين في العودة، مما يعني أن أصحاب العمل انتهى بهم الأمر إلى تقليص حجمهم، وارتفعت معدلات الشواغر بشكل كبير، وخاصة في المباني المتهالكة، ثم ارتفعت أسعار الفائدة.
يتم تمويل معظم المباني التجارية من خلال قروض مدتها خمس أو عشر سنوات، وسيتم إعادة تمويل العديد من هذه القروض قريبا، في حين تظل أسعار الفائدة مرتفعة بشكل غير مريح، ومن المقرر أن يتم تجديد نحو تريليون دولار من القروض العقارية التجارية الأمريكية في غضون العامين المقبلين، وهو المبلغ الذي يمثل خمس إجمالي الديون المستحقة على المباني التجارية.
في الآونة الأخيرة، تم تداول عدد من مباني المكاتب في المدن الكبرى بأقل من نصف أسعارها قبل الوباء، سيؤدي هذا النوع من الخسائر إلى محو أسهم العديد من المالكين، ما يترك البنوك تبتلع خسائر فادحة خاصة بها.
والواقع أن ثلاث مؤسسات تضررت بشدة بالفعل، وفي الأسابيع الأخيرة، بنك مجتمع نيويورك (nycb)، وهو مقرض متوسط الحجم، وبنك أوزورا، وهو مؤسسة يابانية قامت بجمع قروض العقارات التجارية الأمريكية، وشركة بفاندبريف، وهي شركة ألمانية لها تعاملات في المكاتب، أبلغت جميعها عن أخبار سيئة حول دفاتر القروض الخاصة بها وشهدت أسهمها انخفاضًا حادًا.
ومن ناحية أخرى، أصبحت أزمة العقارات في الصين أكثر حدة، ومع معاناة المحافظ المحلية، قد يحتاج بعض المستثمرين الصينيين، الذين اشتروا أصولا عقارية في جميع أنحاء العالم، إلى جمع الأموال النقدية، ويمكن أن يبدؤوا في التخلص من الأصول الخارجية، مما يؤدي إلى انخفاض قيمة العقارات.
وإذا بدأ المستهلكون في صراع جدي مع ارتفاع أسعار الفائدة على قروض السيارات أو بطاقات الائتمان، فمن المحتمل أن ينتهي الأمر بمزيد من المؤسسات إلى وضع مماثل لوضع بنك نيويورك التجاري.
ليس من المفاجئ إذن أن الناس بدؤوا يشعرون بالقلق من أن الانتقال إلى العمل من المنزل قد يؤدي في نهاية المطاف إلى التسبب في كارثة مالية.
ومع ذلك، يجدر وضع هذه المشاكل في سياقها، بداية تبدو المشاكل التي يواجهها بنك نيويورك سيتي فريدة من نوعها بالنسبة للمؤسسة، ورغم أن البنك منكشف على مكاتب نيويورك، فإنه في الواقع خفض قيمة محفظة قروضه على المباني السكنية "متعددة الأسر" المستقرة الإيجار في المدينة.
وانخفضت قيمتها بعد أن قيد التشريع في عام 2019 قدرة المالكين على رفع الإيجارات إذا تم إخلاء الشقة، أو إذا أجرى المالك تحسينات رأسمالية، وكان المقرض الآخر المتخصص في هذا النوع من القروض هو بنك سيجنتشر، الذي فشل في العام الماضي.
علاوة على ذلك، هناك حدود لمدى حجم المشاكل التي يمكن أن تشكلها المكاتب، حتى لو كان الضرر الذي يلحق بها جسيما، حيث بلغت القيمة الإجمالية للعقارات الأمريكية (لا تشمل الأراضي الزراعية) 66 تريليون دولار في نهاية عام 2022، وفقا لبيانات من وكالة سافيلز العقارية، معظمها سكني، ربعها فقط تجاري.
وتعد العقارات التجارية أكثر بكثير من مجرد مكاتب، فهي تشمل مساحات البيع بالتجزئة، التي تعاني، ولكن أيضا المستودعات، التي يزداد الطلب عليها كمراكز بيانات ونقاط توزيع، والمباني متعددة الأسر، وبالتالي فإن قيمة المكاتب ربما تصل إلى 4 تريليونات دولار، أو حوالي 6% من القيمة الإجمالية للعقارات في أمريكا.
وفي الفترة بين عامي 2007 و2009 فقدت العقارات السكنية في أمريكا ثلث قيمتها، ومن شأن صدمة مماثلة اليوم أن تمحو 16 تريليون دولار من إجمالي قيمة العقارات، وحتى لو فقد كل مبنى إداري في أمريكا قيمته بالكامل بطريقة أو بأخرى، فإن الخسائر ستظل مجرد ربع هذا الحجم.
علاوة على ذلك، فإن المقرضين يتمتعون بحماية أفضل ضد الخسائر في العقارات التجارية مقارنة بتلك الموجودة في العقارات السكنية، وفي حين كانت القروض المقدمة للعقارات التجارية تقترب غالبا من 100% من قيمة المبنى، فإنه حتى قروض العقارات التجارية الأكثر طموحا تميل إلى تغطية 75% فقط من قيمة المبنى.
ولن يتفاقم الوضع دون أن يلاحظه أحد، ولأن مشاكل الملكية واضحة للغاية، فإن الجهات التنظيمية تتدخل في كل مكان، إن ما يقرب من نصف ديون العقارات التجارية عبارة عن قروض من البنوك (وبشكل أساسي من البنوك الأصغر حجما، لأن القواعد لا تشجع المؤسسات الكبيرة على الإقراض)، والباقي عبارة عن أوراق مالية أو قروض من شركات التأمين.
وبحسب ما ورد، نصح مكتب مراقب العملة، وهو جهة تنظيمية، بنك نيويورك التجاري بتخفيض قيمة بعض قروضه بشكل أكثر قوة، مما جعلها واضحة عندما أعلن عن أرباحه في 31 يناير، وطلب البنك المركزي الأوروبي من البنوك تخصيص احتياطيات إضافية لتغطية خسائر القروض في العقارات التجارية.
إن الاقتصاد الأمريكي، الذي لا يزال ينمو بذكاء، يوفر حماية إضافية.. انظر إلى ناطحات السحاب الفارغة في نيويورك ومن السهل أن تشعر بالانزعاج، لكن أرجع نظرك إلى مستوى الشارع ويمكنك تهدئة نفسك، الشوارع تعج بالحركة.. المحلات التجارية مكتظة، المطاعم ممتلئة.. تتمتع أمريكا بوضع جيد.